الجمعة، 23 سبتمبر 2011

تأملات و عبرات في الحج و مناسكه

يذهب الحاج الى ربه و قد  ضحي بالمال و انتوى بذل الجهد لإرضاء ربه.. يذهب و هو يحسب لكل خطوة حسابها و يراعي تنفيذ مهام الحج على أكمل وجه

عند الميقات يغتسل جيدا و كأنه يغسل نفسه و لكن قبل الموت و يخلع رداء الدنيا و يلبس ردائين ابيضين و كأنه الكفن

يتعطر  ثم يذهب ليصلى ركعتين كسنة الوضوء او تحية المسجد و كأنه يصلى على نفسه و قد مات و غسلوه ثم حملوه الى المسجد

بعد ان يستوى على راحلته يقول لبيك اللهم حجا و يسير على بركة الله و هو يقول لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد و النعمة لك و الملك ... لا شريك لك لبيك
....  
نداءا ملئ بالإيمان بالله و منزه عن اي شرك به
فهو الله الواحد الأحد و هو مصدر النعمة و مستحق الحمد كله

و تسير الدابه به الى مسجد الله الحرام الى الكعبة التى  لها في نفوسنا مهابة و جلال و محبة فيدخل المسجد و قد خلع في الطريق كل أعباء الدنيا و مدنيتها و زخرفها

ينسى الدنيا كلها عندما يرى الكعبه فيقول بخشوع اللهم زد بيتك تشريفا و تعظيما و مهابة و رفعة و برا و زد من زاره ممن حجه او اعتمره تشريفا و تعظيما و مهابة و رفعة و برا

يدعو بما شاء الله له ان يدعو و يبكي ما شاء الله له ان يبكي فهذا و عد و مكتوب و كثيرا من رفقائه ماتوا و لم يزورا البيت العتيق

يدور مع الكون كله حول الكعبه تحت عرش الرحمان .. يدور في سكون و يتخلص رويدا رويدا من أعباء الدنيا و تنسجم كل ذرات بدنه مع الكون في تناغم سحري في طوافه حول الكعبة و هوه طواف القدوم و هو الإعداد الأول لبدء مناسك الحج

بعد الطواف يذهب ليتضلع بماء زمزم و يمتلى طاقة و حيوية يقول اللهم إني اسألك علما نافعا و رزقا واسعا و شفاءا من كل داء و سقم

يصلى ركعتين خلف مقام ابراهيم سنة الطواف و قد تكون الصلاة خلف المقام ليتذكر ان هذا البناء الشامخ بناه رجل و ابنه رجل صادق حليم اواه صدق الله فصدقه و ابن بار طاوع اباه ان يذبحه

يتذكر و يتخيل مشاعر إبراهيم عليه السلام و هوه يبني بيت الله الحرام و قد نزل حبه في قلبه عندما رآه شامخا قويا
فدعى الله بصدق ان يجعل هذا البيت مثابة للناس و امنا و ان يرزق اهله من الثمرات
فالفقر فتنة قد تؤدي الى الكفر

و يستجيب الله و يقول لإبراهيم أذن في الناس بالحج

فلم يعد احدا على الأرض الى يوم يبعثون إلا سمع النداء و لبى الله تعالى

يكرر الحاج لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك ... لا شريك لك

يتذكر حال إبراهيم و هو يؤذن في الناس .. يتخيله و هو  يتمنى ان يرفع صوته قدر استطاعته ليصل النداء الى آخر الأرض
و قد وصل نداءه الى العالمين حتى لو همس همسا
إن ابراهيم لآواه حليم

يذهب الحاج الى الصفا ليبدأ السعى
و هو في طريقة يتذكر هذه المرأة العظيمة هاجر التى رضيت بحكم الله و رضيت ان يتركها إبراهيم في واد موحش صحراء موحشة تحيطها الجبال
و حدها و هي امرأة
فأية فتنة و أي اختبار هذا
فتقول إن الله لن يضيعنا
و ينفذ الماء و يصرخ الوليد و يضرب برجليه الأرض بشده
و يسقط قلب الأم و تجري ملهوفه بين جبلي الصفا و المروة في حر شديد و رمال ساخنة كالجمر
تصعد الصفا و تنظر ملهوفه ثم تدعو الله و تنظر الى الوليد و قد انهكها التعب فتقفز الى المرة و هكذا
ملهومة مكلومه ثم تنظر لتجد الماء المبارك يتفجر من تحت قدم ابنها
فأي تكريم  هذا أعطاه الله لهاجر
إن ملايين الناس سوف يسعون بين الصفا و المروة الى يوم يبعثون كما سعت
و ملايين الناس سوف يشربون من زمزم المباركة التي تفجرت من تحت قدم ابنها سيدنا إسماعيل و سمت بعد قولها زمي زمي

في اليوم الثامن من ذي الحجة - يوم التروية - يذهب الحاج الى وادي منى
يتجرد من المدنية تماما و يتعبد لله في هذا الوادي
لا سيارات فارهه
لا أثاث فاخر
لا
لا
فقط خيمة و ماء يكفيه للوضوء
يعبد الله مخلضا له الدين و يصلى الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الفجر

مع شروق الشمس يتحرك ملبيا خاشعا ذاكرا الله كثيرا يحركه الشوق الى عرفات الله
ملايين الحجاج يقفون لله في مكان واحد
يتذكر يوم ان كان الدين وليدا و المسلمين ضعاف ثم قواهم الله و جمعهم حتى وقف الرسول الكريم بعرفه يخطب في الناس
يدعوهم للير و التقوى
يدعوهم ان يترفقوا بالنساء
يقول لهم اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الأسلام دينا

يقف بجبل الرحمة و يدعو الله فرحا مسروا باكيا و هو يرى حينذاك 10 آلاف مسلم يقفون ملبين ذاكرين الله في صعيد عرفات
يستشعر الحاج  الرحمات تتنزل من السماء و يباهي الله بعباده الملائكة و يقول لهم ماذا اراد هؤلاء؟؟؟
فيغفر لهم جميعا و يبارك لهم جميعا و يرضى عنهم جميعا بإذن الله
يقف الحجيج حتى غروب الشمس يدعون الله
ملايين يدعون الله
جئنا إليك يا رب لتغفر لنا و ترحمنا
يدعو الحجيج و يستجيب الله لهم
لقد تركنا يا رب دنيانا بأعبائها و جئناك شعسا غبرا برداء بسيط و شعرا شعس 
لا نلبس مخيط
و لا نضع عطورا
جئنا استجابة لك
و لن نستحى ان نبكي امام العالمين
و ان نبتهل
و ان نكبر

و مع غروب الشمس يشتد الدعاء و التضرع حتى إذا غربت الشمس سعد الجميع
شعروا بالراحة التامة
راحة لا توازيها ملايين العالم اجمع
و توجهوا في خشوع و سكينة الى مزدلفه

ناموا فرحين و تعلوا وجوههم ابتسامة كبيرة بأن مكنهم الله من مشهد عرفات ذلك اليوم المهيب
و قبل أن يناموا صلوا المغرب و العشاء

و مع الفجر توجهوا الى المشعر الحرام يدعون الله مبتهلين شاكرين ان مكنهم من مشهد عرفات و قد ناموا نوما لم يناموه من قبل و ارتاحوا راحة لم يرتاحوها من قبل ابدا و كأن مزدلفة دار راحه او و كأن رضا الله هو الراحة الكبرى

حتى اذا ظهر احمرار السماء بدأو في المسير الى وادي منى و في طريقهم اخذوا  يجمعوا سبع حصيات لرمي جمرة العقبة الكبرى

و تذكر الحجاج ان رضا الله هو كنز عظيم ينبغى المحافظة عليه بالغالى و الرخيص و ينبغي المجاهدة للحفاظ عليه
فكلما جاء الشيطان يتذكر الحاج الجمرات و كيف علمه الله ان يقذف الجمرات و هى حصاه لكن الله سماها جمرة يقذف بها الشيطان

فاقذف الشيطان بجمرة الصلاة
و اقذفه بجمرة لا إله إلا الله
و اقذفه بجمرة الله أكبر
و اقذفه بالزكاة
و اقذفه بالصدقات
و اقذفه بفعل الخير
و جاهد نفسك

و تذكر كيف امر الله ابراهيم عليه السلام ان يذبح ابنه و ارتضى الأب و ارتضى الإبن
فجاءة الشيطان ليثنيه عن فعله
و لكنه عليه السلام قذفه بالحصيات  ناهرا ايه و ماضيا لينفذ امر الله

يقذف الحاج جمرة العقبة  و يتحلل من إحرامه
فليقص شعره كله و ليعطيه الله إن شاء الله بكل شعره حسنة او حسنات
ثم يذهب ( المتمتع و المقرن) ليذبح هديه و يأكل منه و يطعم الفقراء

و يفرح بالعيد
و يقول الله اكبر الله اكبر الله اكبر .... لا إله إلا الله
الله اكبر الله اكبر .... و لله الحمد

ثم يطوف طواف الإفاضة  ليتناغم مع الكون مرة ثانية و ينظم ذرات جسمة من جديد و قد اذدادت إيمانا و امتلئت خشوعا
ثم يعود ليعد نفسه  حتى يعود للدنيا من جديد
يعود الى منى
وادي في الصحراء
و ينام في الخيمة يأكل و يشرب و يعبد الله
و يذهب كل يوم من أيام التشريق 11 و 12و 13 ليرمي 7 حصيات او جمرات في الجمرة الصغرى و 7 عند الوسطى و 7 عند الكبرى
و يدعو الله مبتهلا بعد ان يرمى الجمار ليتعلم ان بعد مجاهدة الشيطان لا بد ان يأخذ الدعم من الله ثم يأتي عند الكبرى فيسير و لا يدعو  لأن الله قد وفقه و انصرف عنه الشيطان

و بعد ايام التشريق الثلاثة او الإثنين للمتعجلين يذهب الحجيج ليتودعوا من بيت الله الحرام و يطوفوا حول الكعبة في طواف الوداع
و يبكي الجميع و هم يدعو الله ان يعيدهم مرات عديدة

 ثم يدعو الله إن كان غفر لهم و تقبلهم و إلا ان يمن عليهم الأن قبل مغادرة الديار

بعدها الحاج غير مطالب لا بحج و لا بعمره لأنه من المفروض ان يكتسب بهذه الرحلة طاقة روحية تكفيه عمره كله

فقد تعلم:
ان يجب داعي الله  مهما كلفه ذلك من مال و من جهد
أن يتحمل ما يلاقيه من زحام و مضايقات و سوء معاملة ممن حوله بقصد او بدون قصد
ان يتعلم ان يترفق بإخوانه فلا يزاحمهم و لا يضايقهم
أن يؤثر على نفسه و ان يتعاون مع أخوانه فإذا كان يسير مع رفيق ضعيف ابطأ له الخطى و أخذ بيده و إن هم أحدهم أن يسقط ساعده و جلس يطببه و يسقيه الماء
أن يمد شمسيته ليغطي رأس رفيق له من الشمس الحارق
ان يتخلى عن ما معه من ماء او طعام او دواء لرفقائه
ان يتسامح مع كل من ظلموه
يتعلم ان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا فقد خلد ذكر هاجر رضى الله عنها و عظم من شأن إبراهيم و اسماعيل عليهم السلام
أن يتعلم أن الإنسان إذا أخلص النية في عمل ما فإن الله يبارك فيه و يخلد ذكره
أن يتعلم عظم فعل الخير و عظم تراكم الحسنات
أن يعلم أن الله رحيم جدا محب جدا لعبيده لا يرضى لهم الكفر
أن يعلم ان كل شئ  في الحياة يهون في لحظة رضا من الله
أن يشعر بلذة القرب من الله
أن يتعلم أن الحياة قصيرة و يوم القيامة طويل و حره شديد و الزحام شديد شديد و الضحك قليل و البكاء كثير فيعتبر فقد رأي مشهد مصغر ليوم الحشر و استشعر قيمة الدعاء يوم عرفه


ثم يعود الحاج الى دنيا الله الواسعه و يختلط ثانية بالمدينة و قد تعلم و اكتسب مهارات قد تساعده لو اعتبر فيها بقية حياته

وعدنا الله و إياكم بزيارة بيته الحرام و الحج و العمرة مرات و مرات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق